الاقتصادية
د.إحسان علي بوحليقة
ارتفعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال سنوات الخطة الخمسية الثامنة، من 722.2 مليار ريال في عام 2004 إلى نحو 855.8 مليار ريال في عام 2009، بمعدل نمو سنوي متوسطه 3.5 في المائة أي أقل من المعدل المستهدف للخطة (4.6 في المائة)، أما الخطة الخمسية التاسعة فتستهدف نمواً سنوياً متوسطه 5.2 في المائة بالأسعار الثابتة. في حين تقدر الخطة الإنفاق بنحو 1444.6 مليار خلال السنوات الخمس للخطة التاسعة، أي ما متوسطه السنوي 289 مليار ريال، أي بزيادة بنحو الثلثين عما كان مقدراً لمتطلبات تنفيذ الخطة الخمسية الثامنة. وحاليا في عام 2010 نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة إلى 888 مليار، أي ما معدله 3.8 في المائة خلال عام 2010.
عالميا وسعودياً
عالمياً، كان عام 2010 يعول عليه للتمهيد لخروج اقتصادات العالم من أشرس تحدٍ لاستقرارها منذ عقود الكساد العظيم، لكن العام سيمضي ليطوي صفحات اقتصادية سيطرت على المشهد الاقتصادي العالمي، وليؤكد ـــ في الوقت ذاته ـــ التعجيل ببزوع القوى الاقتصادية الجديدة وخصوصاً الصين والهند، مما حدا بمجلة مرموقة مثل ''الإيكونومست'' لتسمية ذلك ''منافسة القرن''، وبالفعل فقد شهد هذا العام الارتقاء الرسمي للصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم متجاوزة اليابان. كما شهد هذا العام 2010 مكابدة الاقتصادات المتقدمة ـــ ولا أقول تهميشها ـــ وخصوصاً تلك المنضوية ضمن منطقة اليورو التي تتلاحق الطلقات عليها دولة بعد أخرى، حتى أن المفوضية الأوروبية وميزانيتها لم تسلم من ذلك.
كان عام 2010 حافلاً للاقتصاد السعودي، فقد تزاحمت فيه المشاريع لتجعل مدننا وقرانا أشبه ما تكون بمجمع كبير لورش العمل، ودولياً انبثق الدور السعودي في الاقتصاد الدولي بما يتجاوز الدور التقليدي المرتبط بالنفط إلى تعزيز المشاركة السعودية في القرار الاقتصادي الدولي ضمن مجموعة العشرين، التي تتابعت قممها لإعادة هندسة ولملمة ما بعثرته الأزمة المالية العالمية. ولعل من المناسب التذكير هنا بما أشارت إليه مذكرة صندوق النقد الدولي عقب مداولات المادة الرابعة التي نشرت أخيرا، من أن المملكة العربية السعودية استفادت من التجارب التي مرت بها في الثمانينيات من القرن الميلادي المنصرم نتيجة لتراجع إيرادات النفط. وفي السياق ذاته، فقد كانت تجربة المملكة تتمحور خلال تلك الفترة (على مدى ربع القرن منذ بداية الثمانينيات وحتى منصف العقد الأول من الألفية) حول: كيف يمكن تحقيق توازن بين متطلبات التنمية (إنفاق الميزانية العامة) وإيرادات الخزانة العامة، أخذاً في الاعتبار أن الإنفاق الحكومي له أهمية حرجة في قطر النشاط الاقتصادي برمته، وقد كانت هذه المكابدة واضحة في منهجية هيكلة الميزانية العامة للدولة، إذ كان لا مفر من التوفيق بين عدة أهداف متعارضة: كيف يمكن أن يستمر الإنفاق على التنمية بما يغطي الالتزامات الأساسية لدولة الرفاه كما هي مبينة في النظام الأساسي للحكم دونما انقطاع، وفي الوقت نفسه الاطمئنان للسيطرة على الدين العام وعلى إيجابية بقية المؤشرات الاجتماعية ـــ الاقتصادية بما يحقق الاستقرار الاقتصادي ويعزز النمو.
الخماسية السعودية
لقد اجتاحت الأزمة المالية العالم في وقت كانت السعودية مشغولة تماما في تأمين وتعزيز خطوط الاستقرار الاقتصادي لديها دون الإخلال بدفع عجلة التنمية قدماً مستفيدة من تجاربها خلال ربع القرن المنصرم، وذلك من خلال خمسة مرتكزات:
1 ـــ سداد الدين: إن أصرت الحكومة ـــ على الرغم من الجدل الاقتصادي المتنوع ـــ على سداد الدين العام بوتيرة حازمة بما يعزز من جاذبية الاستثمارية والائتمانية للحكومة وخزانتها العامة.
2 ـــ بناء احتياطي: اتخاذ خطوات معلنة لبناء احتياطي للخزانة العامة بما يسهم في تحقيق الاستقرار لإيرادات الخزانة العامة بما يبعد شبح العودة للمربع الأول (أي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي) والاقتراض لتمويل الإنفاق الحكومي.
3 ـــ تعزيز الإنفاق العام: الارتقاء بالإنفاق العام إلى مستويات غير مسبوقة، رغبة في استمرار البرنامج التنموي دونما انقطاع، وتحديداً لاستكمال معطيات التنمية الرئيسية من بناء للمدارس للاستغناء عن المباني المؤجرة ولزيادة عدد الأسرة بما يسهم في إكمال منظومة من الخدمات الصحية الأولية والمرجعية لإضافة استكمال وتوسيع وتحديث عناصر البنية التحتية.
4 ـــ التنويع الاقتصادي: الحرص على تسريع خطى إنجاز استراتيجية التنويع الاقتصادي بما يحقق آمال الحكومة لإيجاد اقتصاد محلي متعدد المصادر، وذلك من خلال إطلاق عدد من الاستراتيجيات النوعية تتناول الصناعة، التوظيف، النقل، والتخصيص، إضافة إلى استراتيجيات نوعية أخرى، وفي الوقت نفسه زيادة رأس مال وإعادة هيكلة وتوسيع دور مؤسسات التمويل الحكومية المتخصصة.
5 ـــ الجاذبية الدولية: السعي للعب دور نشط في التجارة العالمية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتنامي دورها في الدوائر المالية والاقتصادية الدولية بما يتجاوز الدوائر النفطية وعضوية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وهكذا، لم تستنزف الحكومة كثير وقت لتجترح طريقة للتعامل مع الأزمة المالية العالمية، إذ سعت الحكومة إلى الاستمرار فيما كانت تقوم به فعلاً من إنفاق قياسي رغبة في حفز الاقتصاد استراتيجياً وليس لمجرد حفز الطلب في المدى القصير، وهذا الخيار كان واضحا في خطاب خادم الحرمين الشريفين في قمة العشرين الأولى، عندما أعلن مباشرة ودون مواربة عن رؤية المملكة للتعامل مع الأزمة بما في ذلك استمرار إنفاقها التنموي على مدى السنوات الخمس المقبلة (تنتهي في عام 2013)، في حين أن عديدا من دول نادي العشرين آنئذ كانت لا تمتلك رؤية واضحة للتعامل مع ''نصيبها'' من الأزمة العالمية، بل منها من سعى جاهداً لتدويل الأزمة بما يمكنه من توظيف أموال الآخرين لإطفاء ما أشعلته الأزمة في جوف اقتصاده ومؤسساته المالية.
معضلة الاقتصاد السعودي
من المقرر أن تستهلك تنمية الموارد البشرية خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة (2010 ـــ 2014) ما قيمته 731.5 مليار ريال، أي ما متوسطه السنوي 146.3 مليار ريال. وبذلك يتضح أن ملف تنمية وتوظيف الموارد البشرية المواطنة يستغرق المقدار الأهم من الإنفاق الحكومي. ورغم ارتفاع معدل البطالة، لكن لا بد من الإقرار بأن الحكومة خطت خطوات جوهرية لتنمية الموارد البشرية بما في ذلك مبادرتها لتطوير التعليم وإنشاء مزيد من الجامعات في أنحاء المملكة بما ضاعف عددها ثلاثة أضعاف خلال ثلاث سنوات وابتعاث عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات لإكمال دراساتهم الجامعية والعليا في الخارج. يضاف لذلك البرامج التدريبية والتأهيلية المتعددة، ليصب كل ذلك في خانة الارتقاء بمخرجات التعليم العام والعالي والمتخصص بما يرتقي بإمكانية توظيف الموارد البشرية المحلية. ومع ذلك يبقى جانب التوظيف هو التحدي العنيد، إذ ما زال نزيف إهدار الفرص الجديدة التي يولدها الاقتصاد السعودي مستمراً نتيجة لعدم السيطرة على آليات العرض التي اعتادت ـــ فيما يبدو ـــ على الركون لاستقدام العمالة، إذ كيف بوسع أحد الزعم أن قدوم مليون وافد في عام واحد لن يمثل منافسة حادة للمعروض المحلي من العمالة المواطنة؟!
ولا يمكن تجاوز أن مجلس الوزراء أقر استراتيجية التوظيف السعودية، التي تسعى لتحقيق ليس فقط ''إنشاء فرص العمل اللازمة لمواكبة النمو السكاني السريع'' بل كذلك الإحلال محل العمالة الوافدة، كما أن الاستراتيجية تسعى لجعل الموارد البشرية السعودية عنصراً أساساً في إكساب الاقتصاد السعودي ميزة تنافسية، ولا سيما أن مجلس الوزراء طلب تقويماً لتنفيذ الاستراتيجية بعد مرور ثلاث سنوات. وعلينا تذكر أن هناك معضلة تتفاقم، وتتمثل في التالي:
• إن أعداد العمالة الوافدة في تصاعد.
• تكلفة العمالة الوافدة في تزايد (حيث وصلت تحويلاتها للخارج إلى 25 مليار دولار).
• البطالة المحلية في تصاعد.
وبالتأكيد فإن استمرار هذه المعضلة لا ينسجم مع المستويات القياسية من الإنفاق لتحديث وتوسيع البنية التحتية، ولا مع مستويات الإنفاق القياسية لتنمية الموارد البشرية، إذ إن سوق العمل والأجور المكتسبة فيها هي الوعاء الأهم في أي اقتصاد. ويمكن الجدل بأن ضبط وإزالة الارتباك من سوق العمل المحلية يمثل ''معضلة الاقتصاد السعودي'' وليس مجرد التحدي الأكبر له، فالحكومة تنفق أموالاً طائلة لتنمية الموارد البشرية تتجاوز 50 في المائة من الإنفاق العام، والاقتصاد يمول فاتورة عمالة وافدة قارب 100 مليار سعودي سنوياً، والاقتصاد ينمو ويخلق مزيدا من فرص العمل لكنها فرص يذهب معظمها للعمالة المستقدمة، حيث كان تعداد العمالة الوافدة نحو 4.5 مليون عامل في عام 1999 ونما نمواً كبيراً خلال عقد من الزمن، في حين أن العمالة السعودية ارتفعت في الفترة نفسها من نحو 2.7 مليون عامل إلى 3.9 مليون. ولعل من المناسب بيان أن الخطة الخمسية التاسعة تستهدف خفض معدل البطالة إلى 5.5 في المائة مع نهاية الخطة في نهاية عام 2014.
بإيجاز، إن ما يحدثه اقتصادنا المحلي من حراك على جبهات متعددة يستحق الإشادة، فهو يقوم على جهود أتت بإنجازات، ومع ذلك يمكن الجزم بأن أمام اقتصادنا تحديات مستمرة تتمحور في الأساس على تحقيق نتائج إيجابية ملموسة خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة في مجالات، منها: رفع الإنتاجية المتدنية للعامل ولرأس المال، واستيعاب مزيد من الموارد البشرية المواطنة بحيث يكبح لجام المعدل المرتفع للبطالة (تجاوز10 في المائة)، زيادة القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية التقليدية غير النفطية بما في ذلك القطاعات الخدمية والصناعات المعرفية، وبناء الروابط بين الأنشطة الاقتصادية في مسعى لزيادة القيمة المضافة محلياً.