وأنا أقرأ رواية "المعذبون في الأرض " للأديب المصري طه حسين الأعمى البصير خطر على بالي حال
المجتمع السعودي الذي يتحقق عليهم العنوان جملة وتفصيلا ولكن ؛ لأن حقوق الطبع محفوظة باسم طه
حسين سأغير عنوان مقالي عن المجتمع السعودي من (المعذبون في الأرض ) إلى (المخدوعون في الأرض ) .
نعم نحن "موهومون " ومخدوعون بأمور كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر أن مجتمعنا مجتمع فاضل لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ونحن شعب الله المختار في مدينة أفلاطون الفاضلة , فتجدنا نحرم
كل شيئ ليس لأنه محرم لذاته ؛ بل لأن درئ المفاسد مقدم على جلب المصالح , فنصدق أن ذلك الشيئ
محرم لأنه سيجلب لنا أنواعا من المفاسد والرذائل التي لا وجود لها على الإطلاق في مدينتا الفاضلة .
فتجدنا نحرم الاختلاط ليس لأنه محرم بل لأنه يؤدي إلى الفاحشة التي لا وجود لها في مدينتنا . حتى وإن
تناقضنا مع أنفسنا في أحايين كثيرة ... نحرم الاختلاط في العمل وفي معرض الكتاب وبعد 1431 سنة
نحرمه في بيت الله العتيق . ومع ذلك نرضى به في الأسواق ونطالب به في المستشفيات مع أنه محرم في
بيت الله .
قال تعالى : ( إنا هديناه النجدين ) والنجدين هما : طريق الخير وطريق الشر بمعنى أن الله جل في علاه
وضع لعباده طريقين , طريق الخير وطريق الشر .
فمن اختار لنفسه طريق الخير و الصلاح آملا ثواب الله وما عنده من نعيم الدنيا والآخرة فله ذلك , ومن اختار
الطريق الآخر أي طريق الشر والحرام فإن الله بحكمته وعدله قد وضع حدودا تُقام على من يتعدى حدود الله .
فلو سألت أحدهم لماذا نحرم الاختلاط في معرض الكتاب مثلا لقال لك درءا للفاحشة ( الزنا ) التي قد
تحدث لا سمح الله .
فستقول له لماذا شُرع الحجاب إذن ؟؟؟!! إذا كان النساء لا يختلطن بالرجال في مصالح الحياة , سيقول لك
حتى بالحجاب فإغواء المرأة ( الشيطان ) للرجل (الملاك ) متحقق الوجود . فلو فرضنا جدلا أننا نرى المرأة
على أنها شيطان رجيم خلق لفتنة الرجل وأنها تتربص به الدوائر لإغوائه والنيل من فضيلته و نزاهته وشرفه .
فلماذا لا يمْتثل هذا الرجل البرئ لأمر ربه جل وعز حين يقول له : ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور: 30،
فإن غض بصره وحفظ فرجه ولم يلتفت لإغواء المرأة (الشيطان ) كان له عند الله نعم الجزاء والثواب إما ظل
عرش الرحمن إن كانت تلك المرأة ذات جمال ومنصب وإما في الجنة إذا ضمن فرجه ولم يسلمه لتلك المرأة
التي تريد جره إلى حبائل الرذيلة والفسوق . و إذا لم يمْتثل لأمر ربه ورغب عن ما عند الله راغبا في ما عند
تلك المرأة من لذة وشهوة فإن الله قد وضع حدا لذلك ( والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله … )
بهذا الحد ترتعد كل نفس أمارة بالسوء وليس بـ ( درئ المفاسد مقدم على جلب المصالح ) .
قاعدة مهمة : عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن البني - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُتب على ابن آدم
نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان زناها النظر، والأذنان زناها الاستماع، اللسان زناه الكلام،
واليد زناها البطش، الرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" (البخاري ومسلم).
ومن الأمور المخدوعين فيها دون شعوب الأرض أن كل من يدعي أنه عالم أو شيخ أو إمام مسجد أو خطيب
أو مدرس مقررات إسلامية أو مقرأ أو مفسر أحلام هو من أصحاب اللحوم المسمومة التي لا يجوز الاقتراب
منها بتاتا البتة و "يقينا اليقنة" والأمر الأكثر شناعة وفظاعة أننا نراهم فوق النقد وأن من ينتقدهم هو ممن
يحارب الدين و أهله بعد أن جعلنا للدين أهلا يمثلونه وينطقون باسمه وهذا لعمري لهو الجرم في حق الفهم الصحيح للدين الحنيف .
ولا أدري على أي أساس جعلناهم أهلا للدين , هل أصبح الدين عندنا بالمظاهر ونحن نعلم بأن الله جل وعلا
لا ينظر إلى وجوهنا ولا إلى صورنا ولكن ينظر إلى قلوبنا ومن منا يستطيع أن يشق قلب إنسان آخر ليعلم ما
فيه من التقوى والأمانة والصدق , أو خلاف ذلك .
وهذا ما لاحظته في المنتدى من خلال بعض المواضيع والردود التي تتهم أناسا بمحاربتهم لأهل الدين و
الخير والصلاح التي نعجز دائما في إقناع بعض المحامين عن أهل الدين بزعمهم بأنه لا يوجد أحد من الناس
يمثل الدين لا من قريب و لا من بعيد . " فجحدوا بها ويستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا"
وذلك لأننا جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع الفاضل الذي يدعي كل واحد منا زورا وبهتانا بأنه قادر على معرفة
ما في نفوس الآخرين وما يدور في خلدهم من نوايا بحدسنا طبعا المنقطع النظير , بل لأننا ننظر إلى من قال
وليس إلى ما قيل فإن كان من قال ذا لحية وسبحة فكلامه إن لم يكن هو الحق المبين , و إلا فهو من باب
الاجتهاد الذي يحتمل الخطأ والصواب , و إن لم يكن ذا لحية وسبحة فهو علمانيا ليبراليا يدعو إلى محاربة "
ليس " الدين بل أهله ويدعو إلى السفور والفجور مهدور دمه بعد أن يستتاب ثلاثا وإلا مصيره القتل وبئس
المصير .
ومن الأمور المخدوع فيها المجتمع السعودي الفاضل أيضا أننا نرى أنفسنا أكثر بلاد العالم أمنا حتى إذا
تكلمت في قضية ما رد عليك ألف أرعن ويقول لك جملة عظيمة "أحمد ربك على نعمة الأمن " الحمد لله أولا
و أخيرا ولكن عن أي أمن يتحدثون عن الأمن الفكري أو الأمن الأسري أو الأمن الغذائي (حبة ببسي بريال
وخمسين هللة ) أو عن الأمن الوظيفي أو الأمن المعيشي والسكاني في بلد قطعة الأرض فيه أغلى منها
في كانبرا أو نيويوك أو كوبنهاقن كما قال الدكتور بسام عبدالله عالم ... أو يتحدثون عن الأمن من البطالة
والفقر والجهل والمرض , وتدني مستوى التعليم , أو الأمن من حوادث
المرور ومضاعفة " القسايم" ونظام (سارق )والأخطاء الطبية أو الأمن من استغلال البنوك الإسلامية ..."
مين قال عنها ربوية " ... أو الأمن من الفساد الإداري والمالي الذي لم تكن كارثة جدة إحدى نتائجه ,,,
وشوارعنا المرقعة أحد آثاره ,,, ... أو الأمن من الجريمة من سرقات ومخدرات واغتصاب وانتحار وخرج ولم
يعد !!! وهذه القضايا كلها في مجتمع الفضيلة الذي لا يراها ولا يعترف بها أصلا بل يرى أن أكبر سوءاته في
الاختلاط و هدم و إعادة بناء الحرم وقيادة المرأة للسيارة ولبس "طيحني " ومنشطات "محمد نور "
واستراحات "أبو عزوز" وحماقات كحيلان !!!